تكلم معه وكأنه صديق

وصلنا سجن البولوني في حمص، سنغادر غدًا إلى تدمر، محطة تقليدية للاستراحة والتبديل بين أفراد الشرطة العسكرية وسياراتهم. سجن قديم متهالك ورطب، بقايا مياه لزجة لا تزال تسيل من أروقة خلفية؛ تستنقع في الشقوق السّحيقة للأرض، بالكاد نلحظ أنها كانت مصبوبة بالإسمنت الذي أصبح قديمًا متربًا . عرفت لاحقا أن هذا المكان كان اسطبلا للإنكشارية العثمانية في زمن بعيد، آخرون قالوا: إنه كان خانًا وسجنًا أيام سورية الإقطاعية. ملأ قلبي توحُّش عارم مُفاجئ من هذا التاريخ الذي لم يُسفح فيه أيُّ حنان إنساني منذ نشأته، كنت أسير في الطابور خلف أحمد، تعرفت إليه في سيارة الزيل العسكرية المُشبَّكة نوافذها بالأسلاك التي أقلّتنا من نظارة الشرطة العسكرية في دمشق إلى هنا، عرضوه على محكمة أمن الدولة من دون أن يعرف جرمه حتى الآن، احتجزوه مع المشتبهين من مدينة حماة قبل أن يُحكِم الجيش حصاره لدكِّها واقتحامها، قال لهم: إنه عضو عامل في حزب البعث الحاكم، لكنهم لم يتركوه.

تاريخ الإصدار: 2025

الناشر: دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع

المؤلف: نادر عبد الله

عدد الصفحات: 350