القائمة
أثر الإيديولوجيا في بناء الفاعل الذات

أثر الإيديولوجيا في بناء الفاعل الذات

يمثل الفاعل الذات عنصراً مهمّاً، فهو محرّك خطاطة الفواعل ومركز الجذب فيها، وهو الذي يقيم عمودها ويشدُّ عناصرها. ويمثل الفضاء المفضّل لظهور الإيديولوجيّ، أو هو مجمّع معياريّ، لأنّه ينهض بالفعل ويتحمّله، وعبره يسعى إلى تحقيق موضوعه مدفوعاً بحوافز شتّى وموجّهاً بها إلى تحقيق غاية وضمان فائدة.
ثمّة تقاربٌ مفاهيميّ بين الذات العرفانيّة والذات الإيديولوجيّة، ولكن نقدّر أنّ بينهما فرقاً. فالذات العرفانيّة هي ذات وعي وإدراك ومعرفة، والوعي والإدراك يظلّان أشمل من الإيديولوجيا وأعمّ من الجانب القيميّ، فالإيديولوجيا شكل من أشكال هذا الوعي وهذا الإدراك. ثمّ إنّ الذات الإيديولوجيّة بما هي ذات متعالية، وبما هي ذات حكم، تظلّ المسؤول الأوّل عن توجيه الذوات التلفظيّة. وهي الضامنة للائتلاف فيما بين الأجهزة التلفظيّة والانسجام فيما بينها. إذ لا بدّ من وجود موجِّه يشتغل وفقاً لمعايير قارّة في الوعي الباطنيّ، تفترض تصوّرات مختلفة متناقضة كالجميل والقبيح، والإيجابيّ والسلبيّ، ومن ثم تُسْقِط هذا التصوّر وتُبقي على الآخر. وهذا الإسقاط والانتخاب والعزل جانباً أو الاستبعاد، يكون فاعله الأساسيّ تلك القيم التي تتبنّاها الذات الإيديولوجيّة وتفعّلها في فهمها للوجود والكون والعالم، وتسعى لأن تبنيَ من خلالها عالمها، وتقنع بجدواه عبر ما تنتجه من فعل إبداعيّ فنيّ.

إنّ ما اصطلحنا عليه بالذات الإيديولوجيّة يجد صداه في ما أسماه باختين قوّة الوعي أو الوعي الخلاّق، وفي ما أطلقت عليه كايت هامبرغر الذات العرفانيّة، وما أطلق عليه راباتال وجهة النظر الخطابيّة، وما أطلق عليه كورداس وريفارا من يتصوّر، وما أطلق عليه بول ريكور وعي المؤلّف الفريد المتميّز ووجهة نظر المؤلّف التي عدّها المفهوم الخاصّ بالذي يتولّى تنظيم سرد الأحداث لا المفهوم الذي يعنيه مصطلح المؤلّف الواقعيّ، وما أطلق عليه ابن سينا القوة المتخيّلة أو المفكّرة. فهذا التنظيم المشكّل بالأثر الأدبيّ بحسب اعتقادنا لا يمكن أن يكون بريئا وإنّما لا بدّ أن يكون موجَّها منشِئًا وغاية، والعامل الجوهريّ في توجيهه هو الإيديولوجيا أو هو القيم.
تترّجع أصداء الذات الأيديولوجية فيما سمّاه آخرون وجهة النظر الخطابية، أو وعي المؤلف الفريد، أو الوعي الخلاق، أو الذات العرفانية، أو ما أطلق عليه ابن سينا: القوة المتخيلة أو المفكرة وهذا التنظيم المشكّل بالأثر لا يمكن أن يكون بريئاً، بل لابد أن يكون موجَّهاَ منشأً وغاية. والعامل الجوهري في توجيهه هو الأيديولوجيا أو هو القيم.

تاريخ الإصدار: 2022

الناشر: دار الحوار للنشر والتوزيع

المؤلف: أحمد الناوي بدري

عدد الصفحات: 492

تطبيق ألف كتاب وكتاب

حمل التطبيق الآن واستمتع بقراءة كتبك المفضلة في أي وقت وأي مكان